وحدى في العالم
كنت صغيرة وكانت أمى في بداية العطلة الصيفية
تأخذنا لدار المعارف بشارع سعد زغلول لننتقى القصص التى تعجبنا واعتقد انها
الوحيدة في العائلة وبين معارفنا من كانت تفعل ذلك سامحها الله .. لتعودنا على
القراءة كما عودها جدي رحمة الله عليه .. أذكر تلك القصة أنى اخترتها كنت دائماً
على غير وفاق مع والدتى وإخوتى كنت دائماً مختلفة وكنت الوحيدة التى أصابتنى لعنة
القراءة .. اخترت القصة " وحدى في العالم" من بين قصص أخرى مازلت أذكر
حتى رسومها كانت تحكي عن ولد صغير لا يتفق مع افراد أسرته حتى أنه تمنى لو يختفون
من على وجه الأرض .. واستيقظ يوماً فرحاً لأن أمه لم تزعجه ليذهب للمدرسة وأخذ
ينادي عليها فلم يجد أمه ولا إخوته فازداد انشراحاً وأكل ما أحب وخرج للشارع ولكنه
لم يجد سيارات كان كل شئ ملكه يستطيع أن يدخل محل اللعب ويأخذ ما يريد أو يدخل
السينما أو يذهب للحديقة كل شئ تحت إمرته وفقط له هو يملك العالم ولكنه وحده ...
مر اليوم طويلا تجول بالمدينة ولكنه تعب من وحدته وملّ من كل شئ واشتاق لإخوته
وأمه وأبيه .. اشتاق حتى لصوت البائعين وأصحاب المحال وصوت السيارات الذي كان
يزعجه .. كره أنه وحده في العالم وبعد وقت قصير ... سمع صوت يزجره ليستيقظ لميعاد
المدرسة وفتح عينيه ليعلم أنه كان حلم وأنه ليس وحده بالعالم ..
وجدتني بعد مرور عقود من الزمان أذهب لنفس
المكتبة وأبحث عن نفس القصة وللعجب مازالت دار المعارف تصدرها حتى بنفس الرسوم .
أشعر أنى وحدى بالعالم اصل الليل بالنهار ولكنى
أشعر أني وحدي بالعالم .. خرجت للدراسة وللعمل ولكنى مازلت وحدي .. تخيلت أني
جديرة بحب البشر ولكنهم دائماً وأبداً يثبتون لى وهمي وواقعي بأنى مازلت وحدي
بالعالم .. كنت دائماً وحدى في أفكارى وهواياتى أحب أن أذهب للمتاحف .. وحدى ..
للمساجد .. وحدي .. لشراء احتياجاتي .. وحدى . وإن جاد علىّ الزمان يوماً وشاركتني
صديقة أي من تلك الأنشطة تؤكد لي الأيام بعدها لا تنخدعى مازلت وحدك في العالم.
أنت شجرة بلا فروع ولا جذور ولا ثمار ستقتلعك الريح القادمة ولن يبحث عنك أحد الا
الحطابون ليحرقوا غصونك .. أذكر أنى ذهبت لمتحف يوما وطلبت تذكرة فقالت لى الموظفة
مستنكرة واحدة ؟! قلت لها نعم قالت أجئت وحدك ؟ قلت لها هل ترفضين اعطائي تذكرة
دخول لأنى وحدى فهل تستطيعين تأجير صديق ؟!!! .
حتى بين الناس وحدى لست جزء من أحد اذا
اقتطعت من دنيانا لن يبكيني أحد .. ليس هناك من يشهد على أيامى واحلامى وآلامي ..
فأنا وحدي بالعالم .
رحم الله سيدي أبي ذر الغفاري عندما قال عنه
الحبيب المصطفى " يمشي وحده ويموت وحده ويبعث إن شاء الله وحده " وكأن
عبارات الوحدة كانت تحفر علامات على أيامى لا أذكر أن قصة سيدي أبي ذر دُرست لفترة
طويلة ولكنها كانت مقررة علىّ ووعيت الدرس جيداً .. صديقتي تقول أن الوحدة اصطفاء
من المولى لتأنس بوجوده فقط وتستغنى عن الناس .. ولكنى لست صحابية ولا مصطفاة ..
يقال أن الوحدة خير من جليس السوء .. لكن إن
طال بها الأمد ستبحث عن جليس حتى لو سوء لتبتعد عن تلك الوحدة قليلاً
ربى لا تذرنى فرداً وأنت خير الوارثين
ربي لا تتركني .. وحدي في العالم